التفكير الناقد في أبسط معانيه هو القدرة على تقدير الحقيقة ومن ثم الوصول إلى القرارات في ضوء تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر المختلفة
1. تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الطلبة
المدرب: إبراهيم الطوال
التفكير سمة من السمات التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وهو مفهوم
تعددت أبعاده واختلفت حوله الآراء مما يعكس تعقد العقل البشري وتشعب عملياته، ويتم
التفكير من خلال سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم
استقباله من خلال واحدة أو أكثر من الحواس الخمس المعروفة ، ويتضمن التفكير البحث عن
معنى ، ويتطلب التوصل إليه تأملا ا وإمعان النظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر بها
الفرد.
ومن خلال التفكير يتعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به في بيئته ، كما أنه في الوقت ذاته
يعالج المواقف التي تواجهه بدون إجراء فعل ظاهري، فالتفكير سلوك يستخدم الأفكار
والتمثيلات الرمزية للأشياء والأحداث غير الحاضرة أي التي يمكن تذكرها أو تصورها أو تخيلها.
ويستخدم الإنسان عملية التفكير عندما يواجه سؤال أو يشعر بوجود مشكلة تصادفه،
والعلاقة بين التفكير والمشكلة متداخلة حيث أنهما وجهان لعملة واحدة، فالتفكير لا يحدث إلا ا
إذا كانت توجد مشكلة يشعر بها الفرد وتؤثر فيه وتحتاج إلى تقديم حل لها لاستكمال النقص أو
إزالة التعارض والتناقض مما يؤدي في النهاية إلى غلق ما هو ناقص في الموقف وحل أو تسوية
المشكلة.
إن التفكير الناقد ليس موجود اا بالفطرة عند الإنسان ، فمهارته متعلمة و تحتاج إلى مران و
تدريب ، و التفكير الناقد لا يرتبط بمرحلة عمرية معينة ، فكل فرد قادر على القيام به وفق
مستوى قدراته العقلية و الحسية و التصورية و المجردة . فالتفكير الناقد يتأتى باستخدام
مهارات التفكير الأخرى كالمنطق الاستدلالي و الاستقرائي و التحليلي، ومن الصعب انشغال
الذهن بعملية التفكير الناقد دون دعم عمليات تفكير أخرى.
معنى التفكير الناقد :
التفكير الناقد في أبسط معانيه هو القدرة على تقدير الحقيقة ومن ثم الوصول إلى
القرارات في ضوء تقييم المعلومات وفحص الآراء المتاحة والأخذ بعين الاعتبار وجهات النظر
المختلفة )تعليم التفكير الناقد )قراءة في تجربة تربوية معاصرة(،د. عبد العزيز عبد القادر المغيصيب
) ،ص 4
و هو: " فحص وتقييم الحلول المعروضة" ، وهو: " تفكير تأملي معقول يركز على اتخاذ القرار
فيما يفكر فيه أو يتم أداؤه". أو هو عملية استخدام قواعد الاستدلال المنطقي، وتجنب الأخطاء
الشائعة في الحكم". ويمكن أن يقال أيضاا بأن التفكير الناقد هو التفكير: " الذي يعتمد على
التحليل والفرز والاختيار والاختبار لما لدى الفرد من معلومات بهدف التمييز بين الأفكار السليمة
) 6441 هـ، ص 61 – والأفكار الخطأ. )دورة تنمية مهارات التفكير ،د/ عبدالله المفلح ، 6441
ويرى لاسكر : أن التفكير الناقد هو تلك العملية العقلية التي يتم خلالها الشعور بالمشكلة
وتمحيصها ، ودراسة أوجه التناقض التي قد تساعد على النمو والتقدم والتوصل إلى الأحكام
والمبادئ العامة وليس الوقوف عند الجزئيات وحدها بما يؤدى إلى اكتشاف العناصر مع تجنب
القرارات المسبقة أو التعصب لرأى معين .
ويعرفه مصطفى موسى بأنه: قدرة التلاميذ على الاستنتاج، وتعرف الافتراضات،
والاستنباط، والتفسير، وتقويم الحجج.
ويعرف ايضاا: نمط من التفكير يعتمد على الخصائص التالية:
قدرة التلميذ على تقييم الأسباب ، والادعاءات، والمناقشات.
تقويم التلميذ للنص في ضوء عمليات الذاكرة والمعرفة والفهم والاستنتاج .
2. استخلاص التلميذ للنتائج بطريقة منطقية سليمة ، ومراعاة الموضوعية والبعد عن
العوامل الذاتية.
قدرة التلميذ على فحص النص وتحليله والموازنة بين مكوناته، واستخلاص حقائقه ،
وإبداء الرأي فيه .
) فعالية استراتيجية مقترحه لتنمية بعض مهارات التفكير الناقد في النصوص الأدبية لدى تلاميذ الصف الثالث
المتوسط بالمملكة العربية السعودية، راضي فوزي حنفي مرسي، مدرس المناهج وطرق تدريس اللغة العربية
) ،بكلية التربية – جامعة الزقازيق ،ص 1
التربية النقدية
تهدف التربية النقدية إلى تكوين العقل بما يمكنه من إصدار الحكم على الأفكار و التصورات
و الأحكام الأخرى لمعرفة مدى انسجامها و اتساقها عقلي اا قبل اعتمادها ، فالعقلية النقدية لا
تقبل الأمور و الحوادث كما تروى لها ، و لا تسرع إلى تصديقها ، بل تعرضها على ميزان العقل
ومحك التجربة لتتحقق من مدى صحتها أو خطئها . لذا ألح ديكارت في قاعدته المشهورة "
البداهة "على ألا يسلم المرء بأمر أنه حق ما لم يتأكد بالبداهة أنه كذلك.
و التربية النقدية عكس التربية التلقينية ، فالأخيرة تحيل الإنسان إلى وعاء متلق و تغتال
فيه كل تفاعل خلاق ، ويصبح السبيل الوحيد للاندماج في الجماعة هو التسليم الكلي
للتصورات و الخضوع للأحكام التي تفرضها القبيلة أو العائلة أو الصحبة ، مع فقدان القدرة على
مراجعة الأفكار المسبقة أو إنتاج أفكار جديدة.
و لكي تعمل التربية على تنمية ملكة النقد ينبغي لها استبعاد التلقين ما أمكن ذلك ،
باعتباره معيق اا رئيس اا و مثبط اا لكل انفعال نفسي و عقلي ، و باعتباره الربيب الأول للامتثال و
الخضوع.
و يمكن للمعلم أن يشجع طلابه دوم اا على القراءة الفاحصة ، و ينمي قدرتهم على
الملاحظة الدقيقة للرسومات و المعطيات ، وألا يتسرع هو في إصدار الأحكام الصائبة والأحكام
الخاطئة التي تصدر كاستجابات من جانب الطلبة ، ليشرك الآخرين و يشجعهم على إعمال
العقل و يحتفظ المعلم في النهاية بإيجاز الموقف و إغلاقه بصورة مقنعة و ليظهر أن هذا القرار
الصحيح ، هو نتاج للتفكير و المشاركة الجمعية بما فيها المحاولات الخطأ .
) )تعليم التفكير الناقد )قراءة في تجربة تربوية معاصرة(،د. عبد العزيز عبد القادر المغيصيب ،ص 4
أهمية التفكير الناقد :
يعد التفكير الناقد من المسائل التربوية التي بدأ التربويون وعلماء النفس يولونها
اهتماماا كبيراا في العقود الأخيرة، وذلك باعتباره أحد المفاتيح الهامة لضمان التطور المعرفي
الفعال الذي يسمح للفرد باستخدام أقصى طاقاته العقلية للتفاعل بشكل ايجابي مع بيئته،
ومواجهة ظروف الحياة التي تتشابك فيها المصالح وتزداد المطالب، وتحقيق النجاح والتكيف مع
مستجدات هذه الحياة.
ومهارات التفكير الناقد مهارات يحتاج إليها كل فرد من أفراد المجتمع، ولقد أظهرت
معظم الدراسات التجريبية والتي تم من خلالها استخدام برامج وخبرات لتنمية مهارات هذا
النوع من التفكير، أن هذه المهارات تعود بالفائدة على المتعلمين من عدة أوجه، حيث وجد أنها
:
تؤدي إلى فهم أعمق للمحتوى المعرفي المتعلم.
تقود المتعلم إلى الاستقلالية في تفكير وتحرره من التبعية والتمحور حول الذات.
تشجع روح التساؤل والبحث وعدم التسليم بالحقائق دون تحر كاف.
3. تجعل من الخبرات المدرسية ذات معنى وتعزز من سعي المتعلم لتطبيقها
وممارستها.
ترفع من المستوى التحصيلي للمتعلم.
تجعل المتعلم أكثر إيجابية وتفاعلاا ومشاركة في عملية التعلم.
تعزز من قدرة المتعلم على تلمس الحلول لمشكلاته واتخاذ القرارات المناسبة
بشأنها.
تزيد من ثقة المتعلم في نفسه وترفع من مستوى تقديره لذاته.
تتيح للمتعلم فرص النمو والتطور والإبداع.
وباختصار يمكن القول بأن تنمية مهارات التعليم الناقد باتت مهمة وضرورية في عالمنا هذا
السريع التغير، لأنها تساعد على المشاركة الفعالة في المجتمع، وتكسب المتعلمين التجارب
المختلفة التي تعدهم للتكيف مع مقتضيات الحياة الآنية وتهيؤهم للنجاح في المستقبل، وإذا
كان التعليم يهدف إلى إعداد مواطنين لديهم القدرة على اتخاذ القرارات واختيار ما يريدون بناء
على حقهم في الاختيار الحر، فإن هذا يستدعي من التربويين الاهتمام بتنمية هذا النوع من
التفكير.
) فعالية استراتيجية مقترحه لتنمية بعض مهارات التفكير الناقد في النصوص الأدبية لدى تلاميذ الصف
الثالث المتوسط بالمملكة العربية السعودية، راضي فوزي حنفي مرسي، مدرس المناهج وطرق تدريس
) اللغة العربية ،بكلية التربية – جامعة الزقازيق ،ص 1
العناصر الإجرائية للتفكير الناقد
حدد بعض المفكرين الصفات العملية الإجرائية للتفكير الناقد على النحو التالي:
معرفة الافتراضات
التفسير
تقويم المناقشات
الاستنباط
التقويم
وحددوا غايات المناهج التي تنمي التفكير الناقد ، إذ قسموها إلى نوعين : القابليات ،
القدرات . و يفترضون أن التفكير يتضمن ثلاثة جوانب ، وهي :
تحديد أساليب البحث المنطقي التي تسهم في تحديد قيم ، ووزن الأنواع المختلفة
من الأدلة و أيها يسهم في التوصل إلى نتائج مقبولة .
الحاجة إلى أدلة و شواهد تدعم الآراء و النتائج قبل الحكم على موثوقيتها .
مهارات استخدام كل الاتجاهات والمهارات السابقة .
مهارات التفكير الناقد:
تتداخل مهارات التفكير الناقد مع مهارات عدد من أنواع التفكير مثل :
مهارات التفكير الاستقرائي
مهارات التفكير الاستنباطي
مهارات التفكير التقييمي
4. توصل عدد من المهتمين بتعليم التفكير الناقد إلى تحديد اثنتي عشرة مهارة تمكن
المتعلم من ممارسة التفكير الناقد، وهذه المهارات هي :
يحيط بجوانب القضية المطروحة ويفهم فحواها يأخذ جميع جوانب الموقف بنفس القدر
من الأهمية .
يستطيع اختبار النتائج التي يتم التوصل إليها.
يعرف التناقض في العبارات ويحدد القضية بوضوح.
يقدم مسوغات للنتيجة التي يتم التوصل إليها.
القدرة على الحكم فيما إذا كان الشيء عبارة عن افتراض.
يصوغ عباراته بصورة مقبولة.
يحاول فصل التفكير العاطفي عن التفكير المنطقي.
يتأنى في إصدار الأحكام.
يتخذ موقفاا و يغيره عند توفر الأدلة .
يعرف الفرق بين نتيجة "ربما تكون صحيحة" و نتيجة "لا بد أن تكون صحيحة".
الموضوعية و البعد عن العوامل الذاتية.
يعرف بأن لدى الناس أفكارا مختلفة حول معاني المفردات .
يعرف متى يحتاج إلى معلومات جديدة حول شيء ما .
وقد توصل نيدلر إلى صياغة اثنتي عشرة مهارة لتنمية التفكير الناقد لدى المتعلمين، وهذه
القدرات هي:
القدرة على تحديد المشكلات والمسائل المركزية، وهذا يسهم في الأجزاء الرئيسة
للبرهان والدليل.
القدرة على تحديد المعلومات المتعلقة بالموضوع، والتي لها قدرة على إجراء مقارنات
بين الأمور التي يمكن إثباتها أو التحقق منها، وتمييز المعلومات الأساسية عن
المعلومات الأقل ارتباطاا.
القدرة على تمييز أوجه الشبه وأوجه الاختلاف، وهذا يسهم في القدرة على تحديد
الأجزاء المميزة، ووضع المعلومات في تصنيفات للأغراض المختلفة.
القدرة على صياغة الأسئلة التي تسهم في فهم أعمق للمشكلة.
القدرة على تقديم معيار للحكم على نوعية الملاحظات والاستنتاجات.
القدرة على تحديد ما إذا كانت العبارات أو الرموز الموجودة مرتبطة معاا ومع السياق
العام.
القدرة على تحقيق القضايا البديهية والتي لم تظهر بصراحة في البرهان والدليل.
القدرة على تمييز الصيغ المتكررة.
القدرة على تحديد موثوقية المصادر.
القدرة على تمييز الاتجاهات والتصورات المختلفة لوضع معين.
5. القدرة على تحديد قدرة البيانات وكفايتها ونوعيتها في معالجة الموضوع.
القدرة على توقع النتائج الممكنة أو المحتملة من حدث أو مجموعة أحداث.
أما باير فقد حدد عشر مهارات للتفكير الناقد هي :
التمييز بين الحقائق التي يمكن إثباتها أو التحقق من صحتها وبين الادعاءات )الآراء( أو
المزاعم الذاتية أو القيمية.
التمييز بين المعلومات والادعاءات والأسباب ذات العلاقة بالموضوع، وتلك التي تقحم
عليه ولا ترتبط به.
تحديد مصداقية مصدر المعلومات.
تحديد الدقة الحقيقية للخبر أو الرواية.
التعرف على الادعاءات أو البراهين والحجج الغامضة.
التعرف على الافتراضات غير الظاهرة أو المتضمنة في النص.
تحرى التحيز أو التحامل.
التعرف على المغالطات المنطقية.
التعرف على أوجه التناقض أو عدم الاتساق في مسار عملية الاستدلال من المقدمات
أو الوقائع.
تحديد درجة قوة البرهان أو الادعاء.
ويرى ريتشارد باول ، أن التفكير الناقد يستند على حزمة من القواعد الرئيسة التي يستطيع
المعلم أن يكيفها مع ظروف البيئة التي يعمل بها.
وأشار إلى هناك ثلاث استراتيجيات للتفكير الناقد هي : استراتيجيات عاطفية، استراتيجيات
القدرة الكبيرة، واستراتيجيات القدرة الصغيرة، وهذه الاستراتيجيات الثلاث متداخلة ومتكاملة.
ويرى أن المفكر الذي تتطلع التربية لخلقه هو المفكر الناقد والمبدع، لأنه يتمتع بمهارات تفكير
سامية، إضافة إلى أن ممارساته تتسم بالعدل. وهذا المفكر تربى بالقدوة الحسنة على
الاستقلالية، وعلى التبصر والتعمق في المهارات الميكانيكية، وعلى احترام آراء الآخرين.
أما الحارثي فيرى أن هناك ست استراتيجيات متكاملة للتفكير الناقد هي:
معرفة الفكرة أو الشيء أو الحدث أو الفعل وتحديد معناه.
التعرف على الأسباب والمسببات.
معرفة الأغراض أو الأهداف التي يرمي إليها.
القدرة على التقويم من خلال معرفة المعايير والالتزام بتطبيقها.
معرفة المترتبات المستقبلية والتتابعـات التـي تبنـى علـى ذلـك الشـيء أو الفكـرة أو
الحدث".
) 6441 هـ، ص 44 – )دورة تنمية مهارات التفكير ،د/ عبدالله المفلح ، 6441
تجربة سنغافورة في مجال تعليم التفكير الناقد :
6. أولت سنغافورة اهتمام اا كبير اا لتعليم التفكير الناقد وتنمية مهاراته في مدارسها ضمن جهودها
نحو تحسين عمليات التعليم والتعلم، وذلك بغية إعداد مواطنيها للتعايش مع روح العصر
واستيعاب متغيراته، وصيغت تبع اا لذلك الأهداف وصممت الخطط وبذلت الجهود لضمان نجاح
هذه التجربة وتحقيق أهدافها، وقد استندت تجربة سنغافورة في تعليم مهارات التعليم الناقد
في استقرارها واستمرارها إلى مقومات عديدة لعل من أهمها:
الغطاء السياسي والذي تمثل في حماس ودعم الحكومة لهذا النوع من التعليم.
القناعة التامة لدى المسؤولين عن التعليم بأهمية التفكير الناقد ودوره في بناء
المواطن المتوافق مع متطلبات العصر ومتغيراته.
سعي المسؤولين عن التعليم للاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال
مع محاولة تطويع هذه الخبرات لتتوائم مع الواقع والثقافة السائدة.
المبادرة أولا ا وقبل كل شيء بإعداد المعلم القادر على تعليم مهارات التفكير الناقد
وتهيئة المناخات المناسبة لتعليم هذا النوع من التفكير وممارسته.
ولا شك أن المتتبع لهذه التجربة يدرك تمام اا أنها لم تنبع من فراغ، وإنما من اعتقاد راسخ بأن
التعليم يمكن أن يؤدي دور اا إيجابي اا وفاعلا ا في التنمية وتطوير المواطن متى ما أحسن إعداد
أهدافه ورسم خططه ووفرت لهذه الخطط مقومات النجاح وإمكانيات التنفيذ.
وأن المتأمل لحال تعليمنا سواء من حيث الأهداف أو المضمون يجد أنه بالرغم من كل الجهود
التي بذلت لتطويره، والوقت والمال والإمكانات التي استنفذتها جهود التطوير.. إلا ا أن هذا
التعليم ظل عاجز اا عن تزويد المتعلم بمدخلات تثير ذهنه وتحفز فكره، فمناهج التعليم إن ركزت
فأنما تركز على تهذيب سلوك المتعلم وزيادة معلوماته من خلال معرفة حفظيه لفظية سماعية
تقف حائلا ا دون ظهور مخرجات التعليم في صورة أداء عمل يستوعبه المتعلم ويمارسه، أما
ثقافة التفكير واشغال العقل فهي أمر منسي في مناهجنا التعليمية، إن لم يكن بعيد التحقيق
والمنال.
إن التربية بمعناها التقليدي والمتمحور حول ثقافة التلقين والحفظ والتذكر والتي كانت قادرة
على مقابلة احتياجات المجتمع في فترات سابقة، لم تعد لها هذه القدرة الآن في مواجهة
الاحتياجات المتجددة والمتزايدة لمجتمع اليوم السريع التغير، حيث أن المعلومات ومع تسارعها
وتزايدها وتنوعها لم تعد تمثل أهمية في عصرنا الحاضر إلا ا بقدر أعمال الفكر فيها واستخلاص
الجديد والمفيد منها، وبنااء عليه فإنه على تعليمنا ألا يتوقف في أهدافه ومراميه عند توسيع
مدارك المتعلم وزيادة معلوماته، وإنما ينبغي أن تطور هذه الأهداف لتشمل تنشيط عقل
المتعلم واستثارة ذهنه وتحفيز تفكيره، فالتفكير هو جوهر التعلم، وتوظيف التفكير في التعلم
يحول عملية اكتساب المعرفة من عملية خاملة إلى نشاط عقلي تأملي يفضي إلى إتقان
أعمق للمحتوى المعرفي، وإلى ربط أفضل لعناصره ومحتوياته وقدره على ممارسته وتطبيقه،
وبالتفكير المتأمل يعايش الإنسان ظروف عصره ويستوعب متغيراته ويتعامل بفاعلية واقتدار مع
قضاياه ومشكلاته.
وإننا إذا كنا نسعى بالفعل لتطوير تعليمنا وتحديثه بما يواكب متغيرات العصر في أهدافه
ومضمونه ومحتواه، فحرى بنا أن نستفيد من خبرات وتجارب الآخرين في هذا المجال ، وأن
نعمل بقدر الإمكان على تكييف هذه الخبرات والتجارب وفق اا لمقتضيات واقعنا وثقافتنا وفي إطار
يلبي احتياجاتنا ويحقق أهدافنا ويخدم مصالحنا، وتجربة سنغافورة في مجال تعليم وتنمية
مهارات التفكير الناقد وإن كانت لا زالت تعد فتيه مقارنة بتجارب عالمية أخرى كثيرة في هذا
المجال، إلا ا أنها تظل بالنسبة لنا تجربة جديرة بالتأمل والنظر والاهتمام ، وبخاصة إذا ما وضعنا
في الاعتبار أن مجتمعنا يشهد في هذه الأيام، وفي إطار المحاولات المستمرة لإصلاح حال
التعليم وتطوير محتواه اهتمام اا غير مسبوق بإعادة صياغة أدوار المدارس وأدوار المعلمين وتغيير
محتوى المناهج وطرائق التدريس ونوعية أدوات القياس والتقويم المستخدمة في مختلف
مراحل التعليم.
) )تعليم التفكير الناقد )قراءة في تجربة تربوية معاصرة(،د. عبد العزيز عبد القادر المغيصيب ،ص 64