يعتقد البعض خطأً أن المياه لم تدخل دائرة عِلم الاقتصاد إلا حديثاً وخاصة بعد ظهور أزمات الجفاف والمجاعات في العالم. وفي الواقع فإنه يُمكن النظر إلى هذه القضية من جانبين: يتمثل الجانب الأول في تناول المياه كأحد عناصر الإنتاج الزراعي الرئيسية وهو ما تناوله عِلم الاقتصاد بالبحث منذ فترة طويلة من خلال نظرية الإنتاج أو من خلال أسواق عناصر الإنتاج ومستلزماته، ويتمثل الجانب الثاني في تناول قضية المياه في استقلال نسبي كأحد فروع عِلم الاقتصاد الزراعي، وهو ما ظهر حديثاً في الاتجاه نحو تأسيس معارف نظرية تدفع ذلك الفرع نحو تكوين عِلم جديد باسم اقتصاد الموارد المائية. مُرادفاً لعِلم اقتصاد الأراضي الزراعية. ويُمكن تعريف عِلم "اقتصاد الموارد المائية" كأحد فروع عِلم الاقتصاد الزراعي بأنه ذلك العِلم الذي يبحث في تنمية الموارد المائية من حيث زيادة كميتها وتحسين نوعيتها ورفع كفاءة إدارتها بما يعود بالفائدة على جميع أفراد المجتمع استناداً للقواعد والنظريات الأساسية لعِلم الاقتصاد الزراعي. وقد جاءت الحاجة لضرورة وجود وتبلور مثل هذا العِلم بعد تزايد أزمة المياه العالمية، وتحرك الهيئات الدولية بغرض البحث عن حلول لهذه المشاكل المتزايدة. ومن ثم فإن تطور المعارف العِلمية لهذا العِلم ومنهجية البحث فيها لابد وأن تأخذ في الاعتبار مجموعة كبيرة من المعارف العِلمية الفنية الزراعية، ومجموعة كبيرة من المعارف العِلمية الهندسية الخاصة بمنشآت الري ونظم الري والصرف، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المعارف الخاصة بالقانون الدولي والمنظمات الدولية والمحلية التي تُنظم عملية استغلال هذه المياه سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى المحلي. يُضاف إلى ذلك الأهمية الكبرى والمتواصلة لهذا المورد حيث أن تلك الاستمرارية تستدعي البحث والتطوير بشكل دائم وليس لمجرد وجود مشكلة خاصة به. لا توجد قضية شغلت اهتمامات الاقتصاديين منذ نشأة عِلم الاقتصاد على يد آدم سميث بقدر ما شغلتهم قضية القيمة والثمن. فقد كان التناقض القائم بين انخفاض ثمن السلع عالية القيمة وارتفاع ثمن السلع منخفضة القيمة يُمثل بالنسبة لهم لُغزاً محيراً، وسوف نحاول هنا التعرف على الموقف العِلمي لهذه القضية لدى أهم مدرستين تناولتا هذه القضية وهما الكلاسيك والنيو كلاسيك. حيث نجد سيادة "النظرة الموضوعية" على الدراسات الاقتصادية حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد الكلاسيك، وسيادة "النظرة الشخصية" للدراسات الاقتصادية بعد ذلك على يد النيوكلاسيك. ثم نحاول بعد ذلك معرفة مدى انطباق هذه النظريات على موضوع المياه.