ظهرت القضية الأمازيغية إلى الوجود أول مرة أواخر الستينيات من القرن الماضي، وذلك في سياق التحولات الجذرية التي عرفتها البلدان المغاربية في القرن العشرين، ونشوء الدولة الحديثة في المنطقة نتيجة التدخل الاستعماري، مع ما رافق ذلك من تحوّلات عميقة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهو ما أدى إلى بروز سؤال الهوية أول مرة في المنطقة كتعبير عن المخاض العسير لتلك التحوّلات.
في هذه الظروف ولِدت القضية الأمازيغية كردّة فعل على الخطاب الهوياتي المتبنَّى من طرف دولة الاستقلال في البلدان المغاربية، حيث نسبة مهمة من الناطقين باللغات الأمازيغية، وخاصة في المغرب والجزائر.
كانت القضية الأمازيغية في بداياتها الأولى عبارة عن قضية ثقافية، حملتها مجموعة من النخب المتعلمة من أبناء الفئات التقليدية في المناطق الناطقة باللغات الأمازيغية، وهي المجموعة التي حاولت إيصال صوت أولئك المهمَّشين والمقصيّين في لغتهم وثقافتهم في الفضاء العام، عن التعليم والإدارة والإعلام...إلخ، وإيصال صوت المكوِّن الثقافي الأمازيغي الذي هو جزء رئيس من مكوِّنات الهوية المغاربية، وهوية الإنسان بشكل عام في بلاد المغرب الكبير. وكان هؤلاء في مجملهم باحثين في قضايا التراث والثقافة الأمازيغية، ينتظمون في جمعيات ثقافية غرضها التعريف بهذا التراث الثقافي الذي يشكّل جزءًا مهمًّا من هوية المجتمع وتاريخه، وإن يكن مغيَّبًا عن الفضاء العام. هكذا بدأت القضية التي ستأخذ في ما بعد أبعادًا وامتدادات أكبر ابتداءً من ثمانينيات القرن العشرين، حيث سيتزايد عدد المهتمين بها بشكل كبير وملحوظ، وستتحوّل من قضية ثقافية إلى قضية ذات أبعاد سياسية، مع ارتفاع الأصوات المنادية بالاعتراف السياسي بالقضية، ودسترة اللغة والثقافة الأمازيغية ضمن دساتير ديمقراطية.